الجمعة، 9 مايو 2008

هل الإسلام حقاً ليس بدين عنف؟

كثيراً ما تلقينا التوبيخ ووصمنا بالإنحياز والبعد عن الموضوعية عند تناولنا لمسألة عنف الدين الإسلامي (وسائر الأديان الإبراهيمية صراحة), وعادة كانت الإجابات من شاكلة أنه دين التسامح واللين والمرونه, ولكن في النهاية يقف كلاً على موقفه لا يتزحزح قيد أنمله ...

في موضوع اليوم نتناول بالبحث قضية العنف والتشدد في الدين الإسلامي من منظور لاهوتي وتاريخي حتى نستطيع أن نقف على الحقيقة بموضوعية وحياد ....

بداية نستعرض مفهوم العنف في الدين حتى نكون على بينة من دواعى وجوده ومبرراته والأسباب التي دعت إليه :

مفهوم العنف :

عرف ( لافو ) العنف : بأنه العنف الجسدي أو التهديد به, وجميع أشكال الضغط والسيطرة والاستغلال.

أما ( ريمون ) فقد ذهب ابعد من العنف الجسدي بوصفه العنف : تطاولا على الحرية.

أما تعريف الإرهاب لدى ( ينتشاييف ) فيتلخص في تدمير قوى الشر وعلى أنقاضها يبنى مجتمع جديد وطبيعي.

أما العنف لدى ( تروتسكي ) فيتلخص في كونه مضادا للإرهاب وانه في هذه المرحلة تتغلب الطبقة على العدو بالاستخدام المنظم الفعال للعنف.

وبتتبع نظريات كيم ايل سونغ نجد انه عرف العنف الثوري بأنه أعلى صور النضال من اجل الحرية.

ويعرف ( جينكنز ) الإرهاب بأنه العنف الذي يهدد ضحاياه سواء كان بممارسة الأفراد والجماعات للعنف المصمم ميدانيا لتحقيق الخوف أو الرهبة الذي يؤدي إلى ضحية الإرهابي الذي قد لا تكون له أي علاقة بالإرهاب, إن الإرهاب هو العنف الموجه للعامة المراقبين, ويكون الخوف هو الأثر المستهدف تحقيقه.

وهكذا يتبين لنا أن أهم صور العنف هي التهديد بإستخدام القوة أو إستعمال القوة لتحقيق هدف معين, وهو بإختصار ما فعلته وتفعله الأديان على مر العصور, بل وفعلته الأيدولوجيات الحديثة مثل الإمبريالية الرأسمالية والشيوعية في بعض الأحيان.

ولكن ماذا عن الدين الإسلامي؟ هل فعلاً إستخدم العنف في سبيل تحقيق أهدافه بالتهديد تارة وبالإستخدام الفعلي تارة أخرى؟

مظاهر العنف في الدين الإسلامي لاهوتياً وتاريخياً :

كثير من آيات القرآن حثت المسلمين الأوائل على إستخدام القوة لتحقيق أهداف نشر الدين سواء بالتهديد أو الإرهاب أو بالفعل العنيف, والأمثله كثيرة سواء من القرآن أو السنه, ولكن في الفقرة التالية سنعرض ثلاث آيات على وجه الخصوص تحثان على إستخدام العنف لنشر الدين والحفاظ عليه أو لإرهاب العدو كوسيلة لزرع الخوف في قلبه قبل الهجوم, وإليكم :

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة 193)

تفسير إبن كثير :

ثم أمر الله تعالى بقتال الكفار " حتى لا تكون فتنة" أي شرك قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم " ويكون الدين لله " أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " وفي الصحيحين " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " . وقوله " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " يقول تعالى فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين وهذا معنى قول مجاهد أن لا يقاتل إلا من قاتل أو يكون تقديره فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم وهو الشرك فلا عدوان عليهم بعد ذلك والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة كقوله " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " وقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها " " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ولهذا قال عكرمة وقتادة الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله .

كما نرى في الآية وتفسيرها وما حواه التفسير من أحاديث تحث على الجهاد في سبيل الله (قتال الكفار) ولإعلاء الدين الإسلامي على غيره من الأديان, وفي نفس التفسير ينتقل إبن كثير من قتال الكفار لإنهاء الشرك إلى الدعوة لقتال من يقاتل المسلمين بعد إنهاء الشرك, أي أنه لا يدعو لقتال المسلمين, الأمر الذي يجعل إتجاه العنف دوماً ناحية غير المسلم حتى يعلن إسلامه فيعصم دمه وماله على المسلمين.

إذاً العنف هنا مبرر, عنف يستخدم القوة في سبيل نشر الفكرة التي لن تنتشر بالإقناع فقط, إنما وجب وجود قوة السلاح إلى جانبها كحافز مسرّع لنشرها ولحمايتها أيضاً ممن قد يعوقون مسيرتها إما من جانب الأديان الأخرى أو لتضارب المصالح, ولكن في نفس الوقت لا يمكن نفي أن العنف في النهاية تم إستخدامه برغم الإختلاف على الأسباب التي دعت إليه.

اما الآية الثانية فهي :

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة 5)

تفسير إبن كثير :

وقوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " وقوله " وخذوهم " أي وأسروهم إن شئتم قتلا وإن شئتم أسرا وقوله " واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ولهذا قال " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته ونبه بأعلاها على أدناها فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث وقال أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه . وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا عبد الله بن المبارك أنبأنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ; فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ; لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم " ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث عبد الله بن المبارك به . وقال الإمام أبو جعفر بن جرير حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا يشرك به شيئا فارقها والله عنه راض " قال وقال أنس : هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل قال الله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " قال : توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ثم قال في آية أخرى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " ورواه ابن مردويه ورواه محمد بن نصر المروذي في كتاب الصلاة له . حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا حكام بن سلمة حدثنا أبو جعفر الرازي به سواء وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم أنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية : لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم ومدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر من يوم أذن ببراءة إلى عشر من أول شهر ربيع الآخر وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال : أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ونقض ما كان سمي لهم من العقد والميثاق وأذهب الشرط الأول وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : قال سفيان بن عيينة قال علي بن أبي طالب : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف سيف في المشركين من العرب قال الله تعالى " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " هكذا رواه مختصرا وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب لقوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " " والسيف الثالث " قتال المنافقين في قوله " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين " الآية . " والرابع " قتال الباغين في قوله " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه فقال الضحاك والسدي هي منسوخة بقوله تعالى " فإما منا بعد وإما فداء " وقال قتادة بالعكس .

من التفسير السابق لإبن كثير يتضح لنا الكثير والكثير, قتال الكفار (من ليسوا على دين الإسلام أو من لا يطبقون فروضه) يعد ركيزة أساسية من ركائز الدين الإسلامي سواء في نشره أو الحفاظ عليه, وهو ما يحيلنا لمن ينفي على طول الطريق أي تهمه تثبت على الدين الإسلامي العنف, والأدلة عديدة, منها الآيات الواردة في التفسير السابق والأحاديث بل وحادثة حروب الردة التي إستند فيها أبو بكر الصديق للقرآن والسنه كمبرر لممارسة العنف والتصفية تجاه من توقفوا عن دفع الزكاة.

وإذا نظرنا لمبررات إستخدام العنف الإسلامي من منظورنا الإنساني في وقتنا الحاضر سنجد أنها بعيدة كل البعد عن مفهوم حرية الرأي والمعتقد والحق في حياة آمنه دون تهديد.

ولننتقل للآية الثالثة والأخيرة :

قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة 29)

تفسير إبن كثير :

وقوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد الرسل ولا بما جاءوا به وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه لا لأنه شرع الله ودينه لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا لقادهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأن جميع الأنبياء بشروا به وأمروا باتباعه فلما جاء كفروا به وهو أشرف الرسل علم أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من الله . بل لحظوظهم وأهوائهم فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقية الأنبياء وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم . ولهذا قال " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب " وهذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم فأوعبوا معه واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم وكان ذلك في عام جدب ووقت قيظ وحر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وأقام بها قريبا من عشرين يوما ثم استخار الله في الرجوع فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله تعالى . وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب أو من أشباههم كالمجوس كما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وقال أبو حنيفة رحمه الله : بل تؤخذ من جميع الأعاجم سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين ولا تؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب . وقال الإمام مالك : بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا والله أعلم . وقوله " حتى يعطوا الجزية " أي إن لم يسلموا " عن يد " أي عن قهر لهم وغلبة " وهم صاغرون " أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي منها ما كان خططا للمسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من رأينا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نأوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رءوسنا وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا وأن لا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء في حضرة المسلمين ولا نخرج شعانين ولا بعوثا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم . قال فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه ولا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق .

من كل ما سبق يتضح لأي مدى إستخدم الإسلام العنف (وهنا ليس عنف بدني, بل نفسي لأقصى درجه) حين وصم أهل الكتاب (أو الكفار عموماً) بالأذلاء الحقراء الأدنى مرتبة من المسلمين, وفي كتاب عبد الرحمن بن غنم الأشعري كما هو ملون بالأحمر يتضح لأي حد كانت التفرقة بين المسلمين وأهل الكتاب في المعامله والطقوس الدينية والحقوق والواجبات بل والملبس والمظهر وحتى في الكلام والأسماء, وهو ما يعد عنف واضح المعالم تجاه المدنيين المخالفين في الرأي والمعتقد.

من كل ما سبق يتضح أن العنف في الدين الإسلامي وجد سواء عنف بدني أو نفسي وسواء تجاه المسلمين غير المطبقين للفروض أو تجاه أهل الكتاب أو الكفار عموماً, وهو عنف مشروع إذا وضعنا في الإعتبار أنه تم إستخدامه لفرض فكرة معينة في زمن معين لم يعرف مفاهيم حديثة مثل حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والمعتقد والإلتزام بالمواثيق والأعراف الدولية, وهو ما يؤكد فكرة أن الإسلام إتخذ من العنف البدني والنفسي وسيلة لنشر الدين الجديد والتوسع الإمبراطوري والحفاظ عليه من الأخطار الخارجية, ولكن في نفس الوقت ينبغي الإشارة إلى أن إستخدام العنف في ذلك الوقت كان يعد أمراً عادياً تمارسه الشعوب والقبائل والأيدولوجيات البدائية.

في النهاية أعتقد من وجهة نظر شخصية أن كلا الفريقين (المدافع عن عدم وجود عنف في الإسلام والجانب المقابل له) ليسوا على حق فيما يذهبون, فلا الإسلام كان بريئاً من العنف البدني والنفسي كمنهج, والقرآن والسنه والتاريخ الإسلامي شاهدين على ذلك, ولا الإسلام كان دين عنيف على طول الخط وبداعى أو بدون, الإسلام شأنه كشأن أي فكر جديد يسعى للإنتشار, إستخدم كل الوسائل, المشروع منها والغير مشروع, ليقوى شوكته ويزرع الرعب في قلوب منافسيه وإستخدم القوة والإرهاب ليستحق الرهبه والعظمه التي لم يكن لها طريق في تلك الأزمان الغابرة إلا بالعنف الممنهج والردع القاسي.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

تحياتي عطرة
اتشرف ان اكو اول المعلقين على موضوعك.
واحيك من كل قلبي على ارائك المنطقيه والوقعيه
كما تفظلت ان الاديان كلها مارست وتمارس الجريمه لا فرق بين دين ودين
ولاكن الدين عندما لا يملك السلطه يحاول شراء عقول ناس بالكلام الجميل والاخلاق الساميه وعندما يكون في موقف القوى يصبح كل ايه وتعاليم بالعكس
ويكون دينا متوحشا لا يعرف الرحمة ولا الاخلاق كما فعلت المسيحيه في اوربا وامريكا وكما يفعل الاسلام اليوم
الدين هو اخطر وباء عندما يصيب الانسان يبداء بتغيره الى وحش مفترس ومجنون ومنتحر وعنصري وقاتل وكاره لكل البشر
وشكرا